نظّمت دارُ اللغةِ العربيّة وآدابها بالتّعاون مع جمعيّة جولان للتنمية مهرجانَ التّفاح للشّعر والأدب، في قاعة الجلاء في مجدل شمس، وذلك يوم الجمعة الموافق 30-9-2011، وقد شارك في الأمسية الشّعرية كوكبة من شعراء الجليل والكرمل والجولان بعناقٍ شعريٍّ مميّز، وحضر الأمسية جمهورٌ من ذوّاقي الشّعر والمثقفين والأدباء والمهتمّين بالأدب.
بدقيقة صمت على أرواح الشّهداء السّوريّين والأمّة العربيّة استهلّ الموكبُ الأمسية الشعريّة، وقد افتتحها العريف الأستاذ يوسف حمّود السّيّد أحمد بكلمة ترحيبيّة قال فيها:
نرحّبُ بكم أجمل ترحيب، باسم دار اللغةِ العربيّة وآدابها في الجولان، وبرعاية "الجولان" للتنمية والتطوير، في مهرجان التفّاح للشعر والأدب الذي ننوي إقامته في كلِّ سنة إن شاء الله، وذلك في موسم التفاح، هذه الفاكهة التي اشتهر بها الجولان واشتهرت هي به.
السيّدات والسّادة الحضور.. لماذا مهرجان للشّعر؟ وما هي أهمّيّة الشّعر في حياةِ الإنسان؟
قيل قديمًا:
"الشّعر ديوان العرب"، وقال آخرون: "الشعر ديوان الإنسان أينما كان وبمختلف اللّغات وجميع الأقوام والثقافات"، فالشعر في مفهوم البعض هو واحدٌ من عناصرِ تعريف الإنسان، بغضِّ النظر عن عِرقه أو لغته أو دينه. ولا شكّ أنّ العربَ وضعوا الثقافة الشعريّة والشّعر فوق كثير من تجلّيات المعرفة الأخرى. فقد أحبّوا به وحاربوا به، وقرؤوه على موتاهم قبل قراءة النصوص الدّينيّة، هذا وإن أصابهُ بعضُ الانحراف عن هذا الهدف بسبب انحراف السّياسة، فنستطيع أن نستنتجَ أنّ الشّعرَ هو القضيّة وهو الهدف.
وما دام الشاعر يُعبِّر عن ذاته وحدها؛ يعني أنّه يُعبّر عن هذه الذات بكلِّ مكوّناتها المعرفيّة والأخلاقيّة، وبكلّ تاريخها في مراحله المختلفة، وهذا يكون طبعًا مع الشّعر الحقيقيّ والشاعر الحقيقيّ، وبالتالي، فالشّعر يبحث في جميع قضايا ومآزق الحياة، لذلك فالشّعر له وظيفة وهدف ويساهم في تقويم الحياة الإنسانيّة. إذن؛ الشّعر ماضيًا وحاضرًا معروفٌ بتماسِّه الحقيقيّ مع الهمّ الإنسانيّ.
يقول الشّاعر الكبير أدونيس: "إنّ الشعر هو تجسيدٌ نظريٌّ للثورة".
فالشّعر مولود مع الإنسان، وعاش في ظلِّ اللغة، فهو لسان حال الإنسان في كلّ مراحل حياته وعصوره، فمن الممكن أن تخلوَ حضارةٌ من بعض الفنون، لكن قلّما نجد أمّةً يخلو تراثُها من الشّعر.
باختصار: الشّعر هو اللغة المشتركة بين الناس التي لا تعترف لا بالحدود ولا بالحواجز ولا بالعِرق ولا بالجنس ولا باللون، وديانة الشعر الأولى والأخيرة هي الحرّيّة.
لهذه الأسباب كان مهرجاننا هذا، إذا جاز لنا أن نسمّيه مهرجانا، ففيه سنلتقي وإياكم مع نخبة من الشعراء المعروفين ضيوفًا من الجليل والكرمل متآخين مع شعراء من الجولان، فلنستمع لإبداعاتهم وأشعارهم على التوالي بعد تقديم نبذة قصيرة عن كلّ واحدٍ منهم:
د. سميح فخر الدين..
كنتُ دائمًا أتساءل كيف ترك صديقنا سميح فخر الدّين موضوع الطبّ الذي اختاره وتعلّمه، ليخوضَ غمارَ الشعر والأدب، لكنني أيقنت فيما بعد أنّ العمل بالكلمة الحُرّة الجميلة والكشف عن بواطن النفس والرّوح، قد يكون ممتعًا أكثر من الكشف عن بواطن الجسد، فقد بدأ ينظم الأشعار البسيطة منذ أن كان طالبًا في المرحلة الثانويّة، وأمضى زمنًا طويلاً بعيدًا عن الشّعر، لكن توقه للحرّيّة والانعتاق من عبوديّة العمل الوظيفيّ، جعله ينطلق للأعمال الحرّة، ويعود ليعبّرَ عن مكامن نفسه في الكلمة الجميلة والمُعبّرة عن الذات، فالقضايا الوطنيّة والاجتماعيّة متأججة في نفسه، يُعطيها حقّها في النّظم والتحليل، وقد أطلق عليه أحد المواقع الإلكترونيّة الأدبيّة ذي المكانة الرّاقية لقب "شاعر الوجدان والثورة".
وألقى الشّاعر سميح فخر الدين ثلاث قصائد ثمّ عاد الأعريف ليقول:
شاعرتنا آمال عوَّاد رضوان:
تكتب الشّعرَ النثريّ، الذي لا يفهمه إلا قلّةٌ من النّاس، لقد قرأتُ لها الكثير من الأشعار والعديد من القصائد الغامضة، ووقفت حائرًا، فتقول في قصيدة بعنوان:"فستانُ زفافكِ اعشوشبَ كفنًا":
كوكبةٌ مِنْ وسائدَ ضبابيّةٍ/ تَغَشَّتْ أمواجي بأشواكِ الشَّمسِ/ لملمتْ بتوبةٍ هادرةٍ حِبرًا/ وَسَمَتْهُ ألوانُ فراغِكِ بمواعيدَ رخوةٍ انطفأتْ صامتة!
عذرًا يا سيّدتي، فلا بدَّ أنّ لديك تفسيرًا لِما تكتبين، إنّها عبارات جميلة بتركيبها، وغموض المعنى يُجبرنا أنْ نقرأ القصيدة أكثر من مرّة، وتُجبرنا أن نفكِّر ونتعمّق ونستنتج، قد نُصيب وقد نخطئ، ومع ذلك فلا شكَّ أنَّ الشّعر الجيّد هو الذي يثير في الجمهور مَلكة التفكير، لتؤوّل ما تقرأ، فقد نتّفق مع الشّاعر وقد نختلف، ولكن في النهاية لا بدّ من إيجاد المفاتيح التي توصلنا إلى الهدف، ونكتشف مشاعرَ وأحاسيسَ الشاعر التي كتبها بلغته الخاصّة، إلى جانب مواضع الجَمال والإبداع في القصيدة، وما علينا إلاّ الاجتهاد والتبحُّر في النّصّ. وممّا لا شكّ فيه أنّ غموض شعر أديبتنا ناتج عن غموض قضايانا الكبرى، والظّلم الذي يسيطر على مجتمعاتنا، خصوصًا أنّها تُهدي بعضَ قصائدِها إلى الشّعوب التي عانت ولا تزال تُعاني؛ فلسطين، القدس، بيروت وبغداد.
والكلّ يعرف حكاية الشّاعر العبّاسيّ الكبير أبي تمّام عندما قال شعرًا غيرَ مفهوم. قيلَ له:
لماذا لا تقول ما يفهمُهُ النّاس؟ فأجاب: ولماذا لا يفهمُ النّاس ما أقول؟
لنستمع إلى باقة من أشعار الشّاعرة الجليليّة والأديبة المتألّق آمال عوّاد رضوان.. فألقت ثلاث قصائد تصحبها موسيقا شاعرية توائم بين النغمة والكلمة.
نزيه حسّون:
نعود إلى نزيه حسّون، الشّاعر العاطفيّ الغزليّ، تفوح من خلال شعره الوطنيّة المتأصّلة فيه، فهو وإن كان الحبّ يملأ جوارحه، فلا يمكنه أن يتحرّر من إنسانيّته وارتباطه بقضايا شعبه، بل وبقضايا أمّته العربيّة كلّها. لقد بدأ شاعرنا بنظم الشعر بعمر مبكِّر، ففي مطلع الثمانينات أطلق ديوانه الأوّل: "ميلادٌ في رحم المأساة" سنة 1980، وبعد ثلاث سنوات أصدر ديوان "أبحثُ عن جسدٍ يلد النصر" 1983، حتى زاد عدد دواوينه على العشرة دواوين.
إنّه عاشق، ولكن معشوقاته ليست ككّل المعشوقات، فمعشوقات نزيه حسون هنَّ: عشتروت، ويارا ومعشوقات بلا أسماء، ولسن من النساء، فهو عاشق لمصر مثلاً حيث قال فيها: ناجيتُ روحكِ بكرةً وأصيلا/ وأتيتُ أذرفُ مُهجتي تقبيلا/ ووردتُ أسكبُ عند نيلك أضلعي/ علِّي أروِّي من هواك غليلا
أمّا معشوقته الكبرى القدس حيث يقول: الأرضُ تنطقُ والمعالمُ تشهدُ/ قدسُ العروبةِ للعروبةِ معبدُ/ يا قدسُ أودعتِ الفؤادَ قصيدتي/ فدعي فؤادكِ للقصيدِ يزغردُ
شارك شاعرنا في الكثير من المؤتمرات، وفي معرض الكتاب الدّوليّ في القاهرة، وأقامت له مؤسّسة الجذور حفلا تكريميًّا لإبداعاته المميّزة مع أمسية ثقافية. ندعو شاعرنا القادم من مدينة شفاعمرو مستمدًّا إبداعاته من جبل الكرمل الأبيّ، ومدينة حيفا العامرة.
قدّم الشّاعر نزيه حسّون ثلاثة ألوان من قصائده، وتخلل الأمسية الشعريّة الفصيحة وصلة زجليّة قدّمها الشّاعر الزجليّ وليد رضا من مجدل شمس.
الشاعرة المبدعة هيام مصطفى قبلان:
القادمة إلينا من الكرمل الأشم، إنها سيّدة متميّزة جمعت عدّة صفات، وتخصّصت في الكثير من الاختصاصات، فإذا قلنا شاعرة، فهي فعلاً شاعرة وبجدارة، فقد أصدرت سبع مجموعات شعريّة، يستطيع القارئ أن يتبيّن أو يتخيَّل من خلال عناوينها المعاناة الشخصيّة، والشّعور بمعاناة الآخر.
وإذا قلنا أنّها أديبة وروائيّة فيصدق القول، لأنّها تكتب النثر بموازاة الشّعر أو أكثر، فروايتها الأخيرة "رائحة الزمن العاري" تعرّي هذه المجتمعات المتخلّفة، وتكشف زيفها ولهاثها وراء مظاهر الحياة، وتضع الكاتبة أصبعها على الجرح النازف، لتساهم مع غيرها من الأعمال الأدبيّة الرّاقية في معرفة أسباب التخلّف.
وإذا قلنا أنّها ناقدة فهذه أيضًا صفة صادقة وواقعيّة، فقد كتبت العديد من مقالات النّقد الأدبيّ والاجتماعيّ بمستوى عالٍ وبحجّة دامغة، تتميّز في كتاباتها بالصّراحة والجرأة والدّقة في الأحكام، والنظرة الموضوعيّة الثاقبة في الأمور الحياتيّة والأدبيّة.
ويطيب لي أن أصفها بالإنسانة، فهي فقد وصفت نفسها من خلال حوارٍ مع آمال عوّاد رضوان، أنَّ فيها من الحنين والعطف، والغضب والثورة والضّياع والصّمت، وهذا ما يظهر في نصوصها فعلاً، فهي تمزج بين إنسانيّتها وشاعريّتها، وترى الأشياء بقلبها الذي يُخفي بين طيّاته وجع وفرح القصيدة، وإنّ سماع أشعارها قد يختصر ما أقوله عنها، وهي التي جمعت في فكرها وبنفسها خلاصة ثلاث حضارات متميّزة، فقد ولدت لأبٍ سوريّ وأمّ لبنانيّة وتربية فلسطينيّة كرمليّة، وشاركت في العديد من المؤتمرات الأدبيّة والمهرجانات الشعريّة في البلاد وخارجها، وحصلت على جائزة الإبداع للكتّاب العرب. فقدمت مجموعة من قصائدها.
أمّا تركي عامر:
فقد بدأ "يخربش" منذ مطلع السّبعينات من القرن الماضي، ولم يزل "يخربش" حتى الآن، فاسمعوه يقول: أخـــربشُ أو لا أكـــونُ/ هي الريح تأخذُ روحي/ إلى جنَّـــةٍ أو جنــــون
وخربشته تكون مرةً على الورق، ومرة أخرى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ facebook أو على صفحات المواقع الإلكترونيّة، هذا غير الوقت الذي يقضيه مع موقعه المميّز "ورقستان" المليء بموضوعات الأدب والشعر والنثر والنقد، فهو صاحب الموقع ومؤسّسه، تساعده نخبة كبيرة من الأدباء والشعراء والمحامين والكتّاب والمبدعينممّن يكتبون ويتواصلون مع الجمهور بشكل رائع.
تركي عامر شاعر مختلف، يتعامل مع اللغة بطريقة غريبة، فقد طوَّع الكلمة وسخّرها لخدمته في مجال الكتابة، فكتابته مختلفة وعباراته مختلفة، فقد أيقظ أبالسة السماء، وتغزّل بالجمال، فكتب بالفصحى وكتب الزجل الشعبيّ، وكتب بأكثرَ من لغة، تراه أحيانًا في قمّة الفرح وأحيانًا أخرى في يأس مخيف، يتمنى أن يُخلق العالم من جديد، وهمُّه الوحيد أن يعيدَ تشكيل هذا العالم بطريقة صحيحة خالية من هذا العهر السّياسيّ الطّاغي، وهذه اللاإنسانيّة التي سيطرت على البشر، فينادي بأعلى صوته في نشيده النوويّ قائلا:
وستمحو يا رأسًا نوويًّا/ كلَّ الكرة الأرضيّةِ، لتعيدَ بناءَ العالمِ/ من مقبرة منسيةٍ
وقدّم الشاعر الشاعر تركي عامر مجموعة من قصائده.
سليمان سمارة:
مسك ختام الأمسية شاعر الجولان، وهو غنيُّ عن التعريف، ولكن للتنويه فقط، فقد أمضى عقودًاً من الزمن مع الشعر والأدب والتربية، وخرَّج مئات التلاميذ، وأشرف على العديد من الأطروحات الجامعيّة.
يعشق الشعرَ واللغة العربيّة منذ صغره، لا تخلو مناسبة اجتماعيّة إلاّ وينظم قصائد تخلّدها، يحبّ الجمال ويتغنّى به، يقدّر أصحاب المقامات ويرثيهم، وقد نشر الكثير الكثير من القصائد في منشورات محلّية مثل: الاتحاد، المواكب، العمامة، الهدى، درب الأحرار، دارنا، المنبر، البيادر السّياسيّ وكلّ العرب.
أصدر العديد من الدّواوين الشعريّة، وشارك في مؤتمر الشعر الفلسطينيّ في الناصرة، وهو عضو رسميّ في اتحاد الكتاب العرب.
وفي الختام شكر العريف جميع الحضور، ووجه كلمة تذكير هامّة قال فيها:
نعتقد جازمين، أنَّ ما تقدمه دار اللغة العربيّة وآدابها في الجولان فيه الكثير من الفوائد لمجتمعنا، وذلك في تسليط الضوء على جوانبَ هامّةٍ جدًّا من الحضارة العربيّة والتراث العربيّ، ومن خلال ردود الفعل الإيجابيّة التي وصلتنا وتصلنا دائمًا، تشجّعنا على الاستمرار، ولكن أريد أن أكرّر ما قلناه في بداية مشوارنا في السّنة الماضية، من أنّنا لا نستطيع الاستمرار بمفردنا، إلاّ بتعاونكم ومؤازرتكم لنا، فلا بدَّ من العضويّة في هذه الدّار والمساهمة في وضع برامجها وتنفيذها، لذلك سنعمد إلى التسجيل لعضويّة الدّار لكلّ الأخوات والأخوة الراغبين بالمشاركة والمساعدة، فعلى من يرغب بالمشاركة أن يبادر للتسجيل كعضو في الدّار، وبعدها يتمّ الاجتماع لوضع مخطّط سنويّ للفعاليّات والنشاطات التي يرغبون بتنفيذها.